بدون مؤاخذة-أمّي وأنا ابنها - بقلم : جميل السلحوت
يصادف يوم 22 يناير2022 ذكرى مرور ستّ سنوات على وفاة والدتي أمينة شقيرات-رحمها الله- التي رحلت إلى الدّار الآخرة في مثل هذا اليوم عام 2016.
المرحومة أمينة شقيرات ، صورة شخصية
مرّت هذه السّنون طويلا، فلم يغب طيف والدتي عن عقلي ساعة واحدة، حتّى أنّني كنت أجالسها في أحلامي، وكذلك في صحوي، تعود بي الذّاكرة إلى مراحل عمري المختلفة، فأراها وهي تعتني بنا نحن أبناءها وبناتها، كانت كما تقول ثقافتنا الشّعبي" تطول اللقمه من ثمّها وتحطها في ثمامنا" تعبت كثيرا في حياتها، حملت، أنجبت أرضعت، فطمت، عجنت، سهرت، خبزت، طبخت، غسلت، كنست، زرعت، حصدت، حلبت الأغنام وعملت الحليب جبنا وزبدة وسمنا، حاكت لنا "الجرازي" من صوف الغنم، الذي كانت تغزله بيديها؛ لتقينا برودة فصل الشّتاء، وقبل هذا كلّه كانت بحرا من الحنان والعطاء، سهرت علينا الليالي، ربّت سبع بنات وستّة أبناء، رعتهم حتّى شبّوا وتزوّجوا، وواصلت رعايتهم ورعاية أحفادها، لم تشكُ يوما من تعب أو سهر، بل كانت سعيدة بوجودهم.
كنت وشقيقاتي وأشقّائي نشعر دائما بأنّنا أطفال في حضرتها، لم تغضب يوما واحدا على أيّ منّا، ولصدق عاطفتها وطيبتها وعطائها اللامتناهي، كان كلّ واحد منّا يشعر أنّه الأقرب إلى قلبها، وأبناؤنا الذين هم أحفادها كان يشعرون بقربها لهم أكثر من أمّهاتهم اللواتي أنجبنهم.
اختطفها الموت وهي في أواخر الثّمانينات من عمرها، ومع علمنا المسبق بأنّ الموت نهاية حتميّة لكلّ حيّ، وأنّ "كلّ نفس ذائقة الموت"، إلا أنّ موتها كان فاجعة بكلّ المقاييس، بكيناها بحرقة، وسنبكيها ما حيينا، فلا أحد يعوّض حنان الأمّ، نفتقد رضاها الدّائم علينا، والذي كان سببا بتوفيقنا في الحياة، ودرء الشّرور التي تعترضنا.
عندما رحلت والدتي إلى الدّار الآخرة كنت في السّابعة والسّتّين من عمري، فشعرت ولا أزال بأنّني أفتقد كنز عطاء لا ينضب، وشعرت باليُتم للمرّة الأولى، ويبدو أنّني كنت ولا أزال طفلا في حضرة والدتي، والطّفل لا يستغني عن والدته، ولا يطيق فراقها أو الابتعاد عنها، وفقداني لأمّي جعلني أعيش حياة اليُتم لأطفال فقدوا أمّهاتهم، فأتعاطف معهم وكأنّني واحد منهم، فكيف سيواصلون حياتهم دون حضن أمّهاتهم، فلا حضن يغني عن حضن الأمّ. وهذه دعوة للبالغين مهما بلغوا من العمر أن يستمتعوا بحنان أمّهاتهم قبل رحيلهنّ، وأن يعطوا والديهم الرّعاية الكافية، ليفوزوا بكنز رضا الوالدين الذي لا يمكن تعويضه.
لك الرّحمة يا أمّي ولأبينا الذي سبقك في الرّحيل وما قصّرتما يوما بحقّ أيّ منّا، ونسأل الله أن تكون الجنّة مثواكما.
21 يناير 2022
جميل السلحوت - صورة شخصية
من هنا وهناك
-
‘ ننتظر زخّاتك يا ربّ ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
قصة : الحق المسلوب لا بد أن يعود
-
قصيدة زجلية بعنوان ‘ إحترام المعلم ‘ - بقلم : أسماء طنوس
-
قصيدة ‘ يا المرأةُ الضوءُ ‘ - بقلم : فراس حج محمد
-
‘ جيران القمر ‘ - بقلم : أ.د. إبراهيم صبيح
-
مشاركتي في لقاء لمنتدى المتقاعدين في البعينة - بقلم : احمد الصح
-
‘ بناء البشر أهم من بناء الحجر ‘ - بقلم : د. غزال ابو ريا
-
زجل : الحقد يقتل السلام ، بقلم: الشاعرة اسماء طنوس من المكر
-
‘ حادثٌ عرَضيّ مؤسف ‘ - بقلم : فراس حج محمد
-
قصيدة درب المطر - للشاعرة د. ميساء الصح
أرسل خبرا